Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة البقرة - الآية 83

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ (83) (البقرة) mp3
يُذَكِّر تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَنِي إِسْرَائِيل بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ الْأَوَامِر وَأَخْذه مِيثَاقهمْ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ تَوَلَّوْا عَنْ ذَلِكَ كُلّه وَأَعْرَضُوا قَصْدًا وَعَمْدًا وَهُمْ يَعْرِفُونَهُ وَيَذْكُرُونَهُ فَأَمَرَهُمْ تَعَالَى أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِهَذَا أَمَرَ جَمِيع خَلْقه وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِك مِنْ رَسُول إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ" وَقَالَ تَعَالَى " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمَّة رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّه وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت " وَهَذَا هُوَ أَعْلَى الْحُقُوق وَأَعْظَمهَا وَهُوَ حَقّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُعْبَد وَحْده لَا شَرِيك لَهُ ثُمَّ بَعْده حَقّ الْمَخْلُوقِينَ وَآكَدهمْ وَأَوْلَاهُمْ بِذَلِكَ حَقّ الْوَالِدَيْنِ وَلِهَذَا يَقْرُن تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَيْن حَقّه وَحَقّ الْوَالِدَيْنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى" أَنْ اُشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك إِلَيَّ الْمَصِيرُ " وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " وَقَضَى رَبُّك أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " إِلَى أَنْ قَالَ " وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقّه وَالْمِسْكِين وَابْن السَّبِيل " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ اِبْن مَسْعُود قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَيّ الْعَمَل أَفْضَل ؟ قَالَ " الصَّلَاة عَلَى وَقْتهَا " قُلْت ثُمَّ أَيّ ؟ قَالَ " بِرّ الْوَالِدَيْنِ " قُلْت ثُمَّ أَيّ ؟ قَالَ " الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه " وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الصَّحِيح أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُول اللَّه مَنْ أَبَرّ ؟ قَالَ " أُمّك " قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ " أُمّك " قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ " أَبَاك ؟ ثُمَّ أَدْنَاك ثُمَّ أَدْنَاك " وَقَوْله تَعَالَى " لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّه " قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ خَبَر بِمَعْنَى الطَّلَب وَهُوَ آكَدّ وَقِيلَ كَانَ أَصْله " أَنْ لَا تَعْبَدُوا إِلَّا اللَّه " كَمَا قَرَأَهَا مَنْ قَرَأَهَا مِنْ السَّلَف فَحُذِفَتْ أَنْ فَارْتَفَعَ وَحُكِيَ عَنْ أُبَيّ وَابْنِ مَسْعُود أَنَّهُمَا قَرَآهَا " لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه " وَنَقَلَ هَذَا التَّوْجِيه الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِيره عَنْ سِيبَوَيْهِ . قَالَ وَاخْتَارَهُ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء قَالَ " وَالْيَتَامَى " وَهُمْ الصِّغَار الَّذِينَ لَا كَاسِب لَهُمْ مِنْ الْآبَاء وَالْمَسَاكِين الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ وَأَهْلِيهِمْ وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَاف عِنْد آيَة النِّسَاء الَّتِي أَمَرَنَا اللَّه تَعَالَى بِهَا صَرِيحًا فِي قَوْله " وَاعْبُدُوا اللَّه وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " الْآيَة . وَقَوْله تَعَالَى " وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا " أَيْ كَلِّمُوهُمْ طَيِّبًا وَلَيِّنُوا لَهُمْ جَانِبًا وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر بِالْمَعْرُوفِ كَمَا قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى " وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" فَالْحَسَن مِنْ الْقَوْل يَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر وَيَحْلُم وَيَعْفُو وَيَصْفَح وَيَقُول لِلنَّاسِ حُسْنًا كَمَا قَالَ اللَّه وَهُوَ كُلّ خُلُق حَسَن رَضِيَهُ اللَّه . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا رَوْح حَدَّثَنَا أَبُو عَامِر الْخَرَّاز عَنْ أَبِي عِمْرَان الْجَوْنِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن الصَّامِت عَنْ أَبِي ذَرّ - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ " لَا تَحْقِرَن مِنْ الْمَعْرُوف شَيْئًا وَإِنْ لَمْ تَجِد فَالْقَ أَخَاك بِوَجْهٍ مُنْطَلِق " وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه وَالتِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيث أَبِي عَامِر الْخَرَّاز وَاسْمه صَالِح بْن رُسْتُم بِهِ وَنَاسَبَ أَنْ يَأْمُرهُمْ بِأَنْ يَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا بَعْد مَا أَمَرَهُمْ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ بِالْفِعْلِ فَجَمَعَ بَيْن طَرَفَيْ الْإِحْسَان الْفِعْلِيّ وَالْقَوْلِيّ ثُمَّ أَكَّدَ الْأَمْر بِعِبَادَتِهِ وَالْإِحْسَان إِلَى النَّاس بِالْمُتَعَيِّنِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّلَاة وَالزَّكَاة فَقَالَ : " وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة " وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ تَوَلَّوْا عَنْ ذَلِكَ كُلّه أَيْ تَرَكُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ وَأَعْرَضُوا عَنْهُ عَلَى عَمْد بَعْد الْعِلْم بِهِ إِلَّا الْقَلِيل مِنْهُمْ . وَقَدْ أَمَرَ اللَّه هَذِهِ الْأُمَّة بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي سُورَة النِّسَاء بِقَوْلِهِ " وَاعْبُدُوا اللَّه وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَالْجَار ذِي الْقُرْبَى وَالْجَار الْجُنُب وَالصَّاحِب بِالْجَنْبِ وَابْن السَّبِيل وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا " فَقَامَتْ هَذِهِ الْأُمَّة مِنْ ذَلِكَ بِمَا لَمْ تَقُمْ بِهِ أُمَّة مِنْ الْأُمَم قَبْلهَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ . وَمِنْ النُّقُول الْغَرِيبَة هَاهُنَا مَا ذَكَرَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم فِي تَفْسِيره حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خَلَف الْعَسْقَلَانِيّ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن يُوسُف يَعْنِي التَّنِيسِيّ حَدَّثَنَا خَالِد بْن صُبَيْح عَنْ حُمَيْد بْن عُقْبَة عَنْ أَسَد بْن وَدَاعَة أَنَّهُ كَانَ يَخْرُج مِنْ مَنْزِله فَلَا يَلْقَى يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ : مَا شَأْنُك تُسَلِّم عَلَى الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ ؟ فَقَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى " يَقُول وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" وَهُوَ السَّلَام قَالَ : وَرُوِيَ عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ نَحْوه" قُلْت " وَقَدْ ثَبَتَ فِي السُّنَّة أَنَّهُمْ لَا يُبْدَءُونَ بِالسَّلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • في بيتنا خادمة

    في بيتنا خادمة: تحتوي هذه الرسالة على العناصر التالية: هل نحن بحاجة إلى خادمة؟ اختيار الخادمة، ما هو المطلوب من الخادمة؟ إيجابيات الخادمات، معاملة الخدم، معاملة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع خادمه، فتاوى الاختلاط مع الخادمات، فتوى في حكم استقدام الخادمة من الخارج بدون محرم، هل نستطيع أن نتخلص من الخادمة؟ فضل القيام على إعانة الزوجة وخدمة الأهل.

    الناشر: دار القاسم - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/228673

    التحميل:

  • بيان أركان الإيمان

    بيان أركان الإيمان: خلاصة لمحاضرات في أركان الإيمان ألقيتها في عدة مناسبات، وقد طلب مني بعض الحضور كتابتها، والإذن بنشرها، لينتفع بها، ورجاء أن يعم الله تعالى بنفعها، لشدة الحاجة إلى الإلمام بموضوعها.

    الناشر: شبكة الألوكة http://www.alukah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/330473

    التحميل:

  • الشامل في فقه الخطيب والخطبة

    الشامل في فقه الخطيب والخطبة : هذا الكتاب خاص بفقه الخطيب والخطبة، فلا يدخل في ذلك ما يتعلق بالمأمومين كمسألة الإنصات للخطبة، أو تنفلهم قبل الخطبة، أو تبكيرهم لحضور الجمعة، أو نحو ذلك. ثانياً: أن هذا الكتاب جمع ما يزيد على مائة وثنتين وعشرين مسألة، كلها تخصُّ الخطيب والخطبة، مما قد لا يوجد مجتمعاً بهذه الصورة في غير هذا الكتاب حسب ما ظهر لي. ثالثاً: أن هذا الكتاب جمع أكبر قدر ممكن من أقوال أهل العلم في هذا الشأن، من أئمة المذاهب الأربعة، وأصحابهم، وغيرهم من فقهاء السلف، وذلك دون إطناب ممل، ولا إسهاب مخل.

    الناشر: موقع صيد الفوائد www.saaid.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/142648

    التحميل:

  • موسوعة أهل السنة في نقد أصول فرقة الأحباش

    موسوعة أهل السنة في نقد أصول فرقة الأحباش: في هذا الكتاب ردَّ الشيخ - حفظه الله - على كل شبهةٍ يتعلَّق بها أهل البدع عمومًا، والأحباش خصوصًا.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/346917

    التحميل:

  • صدقة التطوع في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة

    صدقة التطوع في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة: قال المصنف - حفظه الله -: «فهذه رسالة مختصرة في «صدقة التطوع في الإسلام» بيَّنت فيها: مفهوم صدقة التطوع، وفضائلها العظيمة، وأفضل صدقات التطوع، والإخلاص شرط في قبول التطوع، وآداب الصدقة، وإطعام الطعام، وثواب الصدقة به، والصدقة على الحيوان، وصدقة القرض الحسن، والصدقة الجارية والوقف، وأن الصدقات من صفات المؤمنين، وصدقة الوصية بعد الموت، وأنّ الهدية، والعطية، والهبة تكون صدقات بالنية، ثم بيَّنت أنواع صدقات التطوع على حسب أنواعها، وذكرت مبطلات الصدقات، وبيَّنت موضوعات متنوعة في الصدقات، وذكرت فضل صدقة إعتاق الرقاب المسلمة، وبيّنت وصول ثواب الصدقات المهداة إلى أموات المسلمين، ثم ذكرت القناعة والعفّة، ثم أنواع المسألة الجائزة والممنوعة, وذكرت الزهد والورع».

    الناشر: المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/193661

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة