Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة الأحقاف - الآية 31

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) (الأحقاف) mp3
" يَا قَوْمنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّه " فِيهِ دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَرْسَلَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حَيْثُ دَعَاهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ السُّورَة الَّتِي فِيهَا خِطَاب الْفَرِيقَيْنِ وَتَكْلِيفهمْ وَوَعْدهمْ وَوَعِيدهمْ وَهِيَ سُورَة الرَّحْمَن وَلِهَذَا قَالَ " أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّه وَآمِنُوا بِهِ " وَقَوْله تَعَالَى " يَغْفِر لَكُمْ مِنْ ذُنُوبكُمْ" قِيلَ إِنَّ مِنْ هَهُنَا زَائِدَةٌ وَفِيهِ نَظَر ; لِأَنَّ زِيَادَتهَا فِي الْإِثْبَات قَلِيل وَقِيلَ : إِنَّهَا عَلَى بَابهَا لِلتَّبْغِيضِ" وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَاب أَلِيم " أَيْ وَيَقِيكُمْ مِنْ عَذَابه الْأَلِيم . وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة مَنْ ذَهَبَ مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّ الْجِنّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة , وَإِنَّمَا جَزَاء صَالِحِيهِمْ أَنْ يُجَارُوا مِنْ عَذَاب النَّار يَوْم الْقِيَامَة وَلِهَذَا قَالُوا هَذَا فِي هَذَا الْمَقَام وَهُوَ مَقَام تَبَجُّح وَمُبَالَغَة فَلَوْ كَانَ لَهُمْ جَزَاء عَلَى الْإِيمَان أَعْلَى مِنْ هَذَا لَأَوْشَكَ أَنْ يَذْكُرُوهُ . وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حُدِّثْت عَنْ جَرِير عَنْ لَيْث عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ : لَا يَدْخُل مُؤْمِنُو الْجِنِّ الْجَنَّة لِأَنَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّة إِبْلِيس وَلَا تَدْخُل ذُرِّيَّة إِبْلِيس الْجَنَّة وَالْحَقّ أَنَّ مُؤْمِنِيهِمْ كَمُؤْمِنِي الْإِنْسِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة كَمَا هُوَ مَذْهَب جَمَاعَة مِنْ السَّلَف وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بَعْضهمْ لِهَذَا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ " لَمْ يَطْمِثهُنَّ إِنْس قَبْلهمْ وَلَا جَانّ " وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَال نَظَر وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْله جَلَّ وَعَلَا " وَلِمَنْ خَافَ مَقَام رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " فَقَدْ اِمْتَنَّ تَعَالَى عَلَى الثَّقَلَيْنِ بِأَنْ جَعَلَ جَزَاء مُحْسِنهمْ الْجَنَّة وَقَدْ قَابَلَتْ الْجِنّ هَذِهِ الْآيَة بِالشُّكْرِ الْقَوْلِيّ أَبْلَغ مِنْ الْإِنْس فَقَالُوا وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ آلَائِك رَبّنَا نُكَذِّب فَلَك الْحَمْد فَلَمْ يَكُنْ تَعَالَى لِيَمْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِجَزَاءٍ لَا يَحْصُل لَهُمْ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ يُجَازِي كَافِرهمْ بِالنَّارِ وَهُوَ مَقَام عَدْل فَلَأَنْ يُجَازِيَ مُؤْمِنَهُمْ بِالْجَنَّةِ وَهُوَ مَقَام فَضْل بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى . وَمِمَّا يَدُلّ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ عُمُوم قَوْله تَعَالَى " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات كَانَتْ لَهُمْ جَنَّات الْفِرْدَوْس نُزُلًا" وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْآيَات . وَقَدْ أُفْرِدَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي جُزْء عَلَى حِدَة وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة وَهَذِهِ الْجَنَّة لَا يَزَال فِيهَا فَضْل حَتَّى يُنْشِئ اللَّه تَعَالَى لَهَا خَلْقًا أَفَلَا يَسْكُنهَا مَنْ آمَنَ بِهِ وَعَمِلَ لَهُ صَالِحًا وَمَا ذَكَرُوهُ هَهُنَا عَلَى الْإِيمَان مِنْ تَكْفِير الذُّنُوب وَالْإِجَارَة مِنْ الْعَذَاب الْأَلِيم هُوَ يَسْتَلْزِم دُخُول الْجَنَّة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآخِرَة إِلَّا الْجَنَّة أَوْ النَّار فَمَنْ أُجِيرَ مِنْ النَّار دَخَلَ الْجَنَّة لَا مَحَالَة وَلَمْ يَرِد مَعَنَا نَصٌّ صَرِيح وَلَا ظَاهِر عَنْ الشَّارِع أَنَّ مُؤْمِنِي الْجِنّ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة وَإِنْ أُجِيرُوا مِنْ النَّار وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ وَاَللَّه أَعْلَمُ . وَهَذَا نُوحٌ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَقُول لِقَوْمِهِ" يَغْفِر لَكُمْ مِنْ ذُنُوبكُمْ وَيُؤَخِّركُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى" وَلَا خِلَاف أَنَّ مُؤْمِنِي قَوْمه فِي الْجَنَّة فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ. . وَقَدْ حُكِيَ فِيهِمْ أَقْوَال غَرِيبَة فَعَنْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ بُحْبُوحَة الْجَنَّة وَإِنَّمَا يَكُونُونَ فِي رَبَضِهَا وَحَوْلهَا وَفِي أَرْجَائِهَا وَمِنْ النَّاس مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّة يَرَاهُمْ بَنُو آدَم وَلَا يَرَوْنَ بَنِي آدَم بِعَكْسِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدَّار الدُّنْيَا وَمِنْ النَّاس مَنْ قَالَ لَا يَأْكُلُونَ فِي الْجَنَّة وَلَا يَشْرَبُونَ وَإِنَّمَا يُلْهَمُونَ التَّسْبِيح وَالتَّحْمِيد وَالتَّقْدِيس عِوَضًا عَنْ الطَّعَام وَالشَّرَاب كَالْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُمْ مِنْ جِنْسهمْ وَكُلّ هَذِهِ الْأَقْوَال فِيهَا نَظَر وَلَا دَلِيل عَلَيْهَا .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار

    نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار : كتاب منتقى الأخبار للإمام ابن تيمية قد أحاط بأكثر أحاديث الأحكام، فقام الإمام الشوكاني بشرح هذا الكتاب، وقد اشتمل شرحه على مزايا قل أن توجد في غيره من الكتب المؤلفة في بابه، منها أنه تعرض لتخريج الحديث وبيان طرقه وألفاظه وما قيل في حكمه، ومنها كشفه عن معاني الألفاظ وأقوال علماء اللغة فيها مع إيضاح المعنى الإصطلاحي الشرعي، ومنها استنباط الأحكام الفقهية من الأحاديث وكيفية دلالتها عليها وأقوال مذاهب علماء الأمصار وحجة كل مذهب مع الترجيح، ومنها استنباط القواعد الأصولية وتطبيق الأحكام الجزئية الفرعية عليها مع ذكر أقوال الأصوليين؛ وفي هذه الصفحة نسخة إلكترونية لكن ينقصها شرح كتاب الصيام، وتتميز بسهولة البحث والتصفح.

    الناشر: موقع أم الكتاب http://www.omelketab.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/140690

    التحميل:

  • التعليق على ميمية ابن القيم

    القصيدة الميمية [ الرحلة إلى بلاد الأشواق ] للإمام ابن القيم - رحمه الله -: هي قصيدة عظيمة، علمية، وعظية، تربوية، تطرق فيها لأمور كثيرة، من أهمها: مشهد الحجيج وانتفاضة البعث، وسبيل النجاة، وذكر الجنة ونعيمها. وقد شرحها بعض العلماء، منهم: العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -، وفي هذه الصفحة تعليقه - رحمه الله - عليها.

    الناشر: موقع الشيخ محمد بن صالح العثيمين http://www.ibnothaimeen.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/348432

    التحميل:

  • مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي

    قال المؤلف: إن قضية الدعوة إلى الله تعالى ليست شأنا خاصا لفئة محدودة من الناس، ولكنها من القضايا المركزية لهذه الأمة، فنحن أمة رسالتها الأساسية في هذه الحياة هداية الخلق ونشر ألعام الحق والعدل والخير، وتعبيد الناس لقيوم السماوات والأرض، كما ان إصلاح المجتمعات الإسلامية وتخليصها من حالة الوهن والغثائية من الهموم العامة لمعظم أبناء أمة الإسلام على اختلاف طبقاتهم وأوضاعهم.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/380518

    التحميل:

  • الذكر والدعاء في ضوء الكتاب والسنة

    الذكر والدعاء في ضوء الكتاب والسنة : كتاب مختصر جامع لجملة من الأذكار النبوية والأدعية المأثورة عن النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -.

    الناشر: موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/144875

    التحميل:

  • الرد على المنطقيين

    الرد على المنطقيين [ نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان ] : كتاب رد فيه شيخ الإسلام على الفلاسفة وأهل المنطق، وبين فيه ضلالهم وجهلهم وفساد قولهم بما لا مزيد عليه، وهو كتاب سهل العبارة.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/273056

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة